وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلاك، غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من الآلهة، وتذكَّرتم الله القدير وحده؛ ليغيثكم وينقذكم، فأخلصتم له في طلب العون والإغاثة، فأغاثكم ونجَّاكم، فلمَّا نجاكم إلى البر أعرضتم عن الإيمان والإخلاص والعمل الصالح، وهذا من جهل الإنسان وكفره. وكان الإنسان جحودًا لنعم الله عزَّ وجل.
أم أمنتم -أيها الناس- ربكم، وقد كفرتم به أن يعيدكم في البحر مرة أخرى، فيرسل عليكم ريحًا شديدة، تكسِّر كل ما أتت عليه، فيغرقكم بسبب كفركم، ثم لا تجدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛ فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة؟
ولقد كرَّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وسَخَّرنا لهم جميع ما في الكون، وسَخَّرنا لهم الدواب في البر والسفن في البحر لحملهم، ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب، وفضَّلناهم على كثير من المخلوقات تفضيلا عظيمًا.
بإمامهم : بمن ائتموا به أو بكتابهم فتيلا : قدْر الخيط في شِقّ النواة من الجزاء
اذكر -أيها الرسول- يوم البعث مبشرًا ومخوفًا، حين يدعو الله عز وجل كل جماعة من الناس مع إمامهم الذي كانوا يقتدون به في الدنيا، فمن كان منهم صالحًا، وأُعطي كتاب أعماله بيمينه، فهؤلاء يقرؤون كتاب حسناتهم فرحين مستبشرين، ولا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم الصالحة شيئًا، وإن كان مقدارَ الخيط الذي يكون في شَقِّ النواة.
ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن دلائل قدرة الله فلم يؤمن بما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو في يوم القيامة أشدُّ عمى عن سلوك طريق الجنة، وأضل طريقًا عن الهداية والرشاد.
ولو رَكَنت -أيها الرسول- إلى هؤلاء المشركين ركونًا قليلا فيما سألوك، إذًا لأذقناك مِثْلَي عذاب الحياة في الدنيا ومثْلَي عذاب الممات في الآخرة؛ وذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك، ثم لا تجد أحدًا ينصرك ويدفع عنك عذابنا.